أن يَكونَ لبنانُ صَخراً مِن صَخرٍ، صَخرَ حَقٍّ مِن صَخرِ حَقٍّ، مِن ذَلِكَ قانونُ إيمانِهِ، وِسطَ عالَمٍ تَتَضارَبُ فيهِ نَوباتُ الجُنونِ مِن إنتِهاكاتِ الكُثبانِ الى مَطاويَ الظُلُماتِ، إذ تَغدو الجُغرافيا هُوَّةً مُتَطايرَةً شَظايا، والتاريخُ مَهارِبُ أنواءٍ.
وَلَئِن إبتَغى ذاكَ الصَخرُ أن يَكونَ لا إشكالِيَّةً بَينَ الضَرورَةِ والحُرِيَّةِ، بَل إدراكاً لَهُما في تَساميهِما الإيمانِيِّ، في قَلبِ واقِعٍ غالِباً ما تَظَهَّرَ أزَماتِيَّاً، فَفي ذَلِكَ صُعوبَةُ حَقيقَةِ لبنانَ إذ شاءَ لِذاتِهِ أن يَكونَ إقتِبالَ الثَباتِ وإلزامِيَّتَهُ.
أفي ذَلِكَ الدَفقِ المُشتَرَكِ بَينَ العَقلانِيَّةِ وَحُكمِ الصَوابِ، لبنانُ مُطلَقٌ، بِمِعنى صَرامَةِ الرَشادِ وَيَقينِ الدِقَّةِ؟ لَيسَ إلَّا في الصَخرِ، الدِقَّةُ صَلابَةٌ والصَلابَةُ تَحديدٌ والتَحديدُ مِقياسٌ.
لِأجلِ ذاكَ الَليسَ إلّا، لبنانُ مُكَرِّسٌ تِلقائِيَّتَهُ صَوغاً مُتَناسِقاً وَطَبيعَتَهُ، ألمِنها تِلكَ الطَبيعَةُ غَزارَةُ فَرادَتِهِ. لا في أسىُ مِن نَفعيَّتِهِ سَفكُ الدِماءِ، كَما ذاكَ العالَمُ المَسبِيُّ لِذاتِهِ ضَحِيَّةَ جُنونِهِ، بَل في بَهاءٍ مِن كَمالِهِ عَهدُ عَطاءٍ.
ذاكَ لبنانُ. في إنسِجامِهِ مَعَ ذاتِهِ أبَدِيَّتُهُ. وَمِن أبَدِيَّتِهِ حَياةٌ لِلآخَرينَ. مَن وَهَبَهُمُ عَطاياهُ.
أفي مَثَلٍ، تَوكيد أبَدِيَّةِ لبنانَ الصَخرَ الحَقَّ؟ هوَذا المَثَلُ، وَمِنἩρόδοτος / Hēródotos هيرودوتُسَ، مُؤَرِّخُ الغَربِ ( 425-484قَبلَ الميلادِ) ‒ألتَبِعَهُ Στράϐων / Strábôn سترابونُ الجُغرافِيُّ-المُؤَرِّخُ (63 قَبلَ الميلادِ-23 بَعدَ الميلادِ)‒، حينَ زارَ صورَ وَراحَ يُطلِقُ على أهاليها إسمَ: الصورِيِّينَ. وَمِنهُ إشتَقَّ مواطِنوهُ كَلِمةَ السورِيِّينَ، سُكَّانَ سوريا، لِأنَّ مِن صورَ أُسُسَها والرَكائِزَ. وَكَونُ الإغريقِيَّةَ لا تَحتَوي ال"ص"، إستَبدَلَتها بِال"س" المُخَفَّفَةِ في الحالَتَينِ: َصورِيَّا وَصورِيِّيها. وَنَظيرُ ذَلِكَ، شَهادَةُ إبنِ العِبريِّ (1226ـ1286) في"تاريخِ الزَمانِ"، الى غَيرِهِ...
وَما إٍسمُ صورَ أصلاً إلَّا إشتِقاقاً لِكَلِمَةِ "صُر" S‘r الفينيقِيَّةِ-الُلبنانِيَّةِ، وَمِعناها: الصَخرُ.
هي صورُ-لبنانُ-الصَخرُ، عاصِمَةُ لبنانَ الكَونِيَّ في إتِّساعِهِ لِلعالَمَ، المُتَرامِيَةُ بِمَقلَبِ البَحرِ سَفحاً لِلجَبَلِ المُدرِكِ لِسِرِّ الصَخرِ، خاضِنِهِ، وَمُكَمِّلِهِ في العَهدِ الأبَديِّ.
حَقيقَةُ مَآلٍ
يَبقى الإيمانُ. حَقيقَةُ المَآلِ في ما هوَ. كَيفَ لا، والصَخرُ-لبنانُ حَمَلَهُ مِن صورَ الى... نَبضِ صورِيَّا، فالعالَمِ.
ألَيسَ مِن ذاكَ الصَخرِ أعلى بَنو صورَ في القَرنِ التاسِعِ قَبلَ الميلادِ، هَيكَلَ الإلَهِ-الأبِ، الفينيقِيِّ-الُلبنانِيِّ، ‒ألبَقِيَ مِنهُ حَجَرُهُ-الزاوِيَةُ بِتاِجِهِ الثالوثِيّ، وَذَقنهِ، وأجنِحَتِهِ المُزدَوِجَةٌ فَوقَ بَعضِها، وَقائِمَتَيهِ الأمامِيَّتَينِ‒، وَحَولَهُ أرسوا دَامَسقوسَ-دِمَشقَ דַּמֶּשֶׂ Dammeśeq / وَمِعناها الأرضُ المَروِيَةُ؟ ألَيسَتِ المياهُ، في الإيمانِ الفينيقيِّ-الُلبنانِيِّ مَآلَ حَقيقَةِ الحَياةِ، لا مَثوى غُموضِ المَوتِ كَما في أساطيرَ الشَرقِ الغارِقِ في نُصرَةِ الفَناءِ، والغَربِ المُنتَصِرِ لِلإفناءِ؟
ألَيسَ على سَفحِ جَبَلِ ذاكَ الُلبنانَ-الصَخرَ، مِنَ مَقلَبِهِ الآخَرِ الناظِرِ لِأورشَليمَ إبنَةِ صورَ بِهَيكَلِها ألبانيهِ إبنُها، سَيَعلو إعتِرافانِ مُتَبادَلانِ: إعتِرافُ بُطرُسَ-الإنسانِ: "أنتَ إبنُ اللهِ الحَيِّ!" (مَتَّى 16/16)، وإعتِرافُ اللهِ، إبنِ اللهِ: "أنتَ صَخرٌ وَعَلى الصَخرِ هَذا سَأبني كَنيسَتي، فَلن يَقوى عَلَيها سُلطانُ المَوتِ!" (مَتَّى 16/18)؟
أجَل! لبنانُ الصَخرُ إنبِعاثٌ: الليبانولوجيا أعمَقُ مِن حَقِّ وجودٍ في كَيانٍ. وأعلى مِن تَداخُلِ وَعيٍ بِإرادَةٍ. هي لِسِرِّ الصَخرِ لبنانَ إثباتٌ في ثالوثِيَّةٍ: بُعدٌ، وَطَرحٌ، وَعَقيدَةٌ، بِحَيثُ أنَّ مَن يَرى عَطِيَّةً مِن لبنانَ يَرى لبنانَ. وَمَن وَجَدَ في تِلكَ العَطِيَّةِ ذاتَهُ غَدا مَشروكاً في لُبنانَوِيَّةِ لبنانَ. قُلّ بَعدُ: تِلكَ أبَدِيَّةُ لبنانَ: تَخَطّي الوجودِ كَإمكانِيَّةٍ الى الوجودِ كَمَعِيَّةٍ تاريخِيَّةٍ لا كَإحتِمالِيَّةِ تَمَكُّثٍ جُغرافِيٍّ. وَهَذا لا يُعطى إلَّا مِن فَوقَ.